أمراض الغدد والسكري

مرض السكري: أعراض السكري وكيفية علاج مرض السكري

داء السكري

في الحقيقة، نحن أمام تحدٍّ كبير في العصر الحديث، مرض مزمن يفتك بالملايين حول العالم! لا يخفى على أحدكم كلمة ” السكرّي”، سمعها من قريب، بعيد، صديق، عدوّ! على الأقل سمعها أو تعامل مع شخص مصاب بهذا المرض! مرض؟ نعم مرض مزمن فتّاك إن لم تقبل صداقته! في هذا المقال سنتحدث بشيء من التفصيل عن داء السكري فسيولجيته، أنواعه، أعراض مرض السكري، علاجه، مضاعفاته، وكيف تصبح صديق السكرّي إن كنت مصاباً.

فسيولوجية مرض السكري

نتناول الطعام، ولا نعلم ماذا يحدث بعد ذلك، في الحقيقة يتم تكسير الطعام في الأمعاء إلى سكريات، دهون، ومكونات أخرى يستطيع الجسم امتصاصها. سنتحدث أكثر عن السكريات، هناك ثلاثة أنواع رئيسية “جلكوز، فركتوز، سكر الحليب أو ما يُعرف بالغالاكتوز”، يتم امتصاصهم على هيئة جلكوز لتصل من الأمعاء إلى الدم.

الجلكوز هو بمثابة الوقود الذي تستخدمه الخلايا لإنتاج الطاقة، إذ لا حياة بدون الجلكوز! لتبقى صحيحاً، يجب أن يبقى معدّل سكر الجلكوز في الدم ضمن الحد الطبيعي أي يتراوح ما بين 70 إلى 110 ملغم/دسم لآ أكثر ولا أقل، لأن اختلال هذه المنظومة سيدخلنا لحيّز المرض!

عند ارتفاع مستوى الجلكوز في الدم بعد تناول وجبة غذائية يخرج هرمون الأنسولين من خلايا بيتا المتواجدة في البنكرياس والذي يقوم بدوره بإدخال الجلكوز “السكر” الزائد داخل الخلايا فتقوم بتحويله إلى طاقة أو تخزينه على هيئة دهون. ماذا؟ دهون؟ نعم السكريات تُخزّن على هيئة دهون وبالتالي فإن المتهم الأول في السمنة هيّ السكريات وليس الدهون كما يُشاع. في حالة انخفاض مستوى الجلكوز في الدم سواء بين الوجبات أو في حالات المجاعات، تحدث عملية عكسية إذ يقل إنتاج الأنسولين ويتم تكسير الدهون المخزنة إلى مكوناتها الأساسية “الجلكوز” وإخراجها إلى الدم لرفع مستوى السكر.

ما هو مرض السكري؟

مرض السكري هو ارتفاع نسبة السكر “الجلكوز” في الدم سواء كان هناك خلل في وظيفة البنكرياس بحيث يتوقف عن إنتاج الأنسولين أو أن الأنسولين متوفّر لكن لا يعمل بشكل صحيح. ويتراوح عدد الأشخاص المصابين بالسكري حوالي 442 مليون شخص حول العالم حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

أنواع مرض السكرّي

هناك نوعان رئيسيان لمرض السكري وأنواع أخرى فرعية:

  • داء السكري من النوع الأول

يصيب بشكل أساسي الأطفال والشباب الصغار، تظهر أعراضه بشكل سريع نسبياً على مدار أيام إلى أسابيع، بسبب توقف البنكرياس عن إنتاج الإنسولين بشكل كامل، لمشاكل في جهاز المناعة، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم لمستويات عالية، ويُصاب بهذا النوع ما يقارب 1 من كل 300 شخص في المملكة المتحدة، لمعلومات إضافية طالع مقالنا عن مرض السكري من النوع الأول من هنا.

  • مرض السكري النوع الثاني

هو النوع الأكثر انتشاراً بين الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد والسمنة، 9 من كل 10 أشخاص من مرضى السكري هم من أصحاب النوع الثاني، هذا يعني أنه الأكثر انتشاراً وخصوصاً فوق سن 40 عاماً “متوسطي وكبار السن”.

تظهر أعراضه بشكل تدريجي على مدار الأسابيع إلى أشهر أو حتى سنوات، هذا لأن الأشخاص المصابين بهذا النوع ينتجون كميات من الأنسولين لكن بشكل أقل من الطبيعي أو أنه يُنتج بشكل كامل لكن هناك مقاومة من الخلايا للأنسولين ولا تستيطع استخدامه بشكل صحيح وتحتاج كميات أكبر وتدعى هذه الحالة ب “مقاومة الإنسولين”  أو دمج بين هذين السببين.

حديثاً بدأت تتزايد نسبة الإصابة بهذا النوع عند الأطفال، يصاب بهذا النوع تقريبا 1 لكل 10 اشخاص في انجلترا بمعدل 45 لـ 54 سنة وبنسبة 1 لكل 4 أشخاص فوق سن الـ 75 سنة. هذا النوع مرتبط بعوامل وراثية  أكبر من النوع  الأول إذ أن نسبة حدوث هذا المرض في التوأم المتطابق تصل ل 97%.

  • سكر الحمل

يحدث هذا النوع عند النساء الحوامل اللاتي لم يكُنّ يعانين من ارتفاع مستوى السكر في الدم قبل الحمل، سكر الحمل يصيب تقريبا 4% من كل النساء الحوامل. من الممكن أن يتسبب بمشاكل للطفل والأم على حدٍ سواء إذ أنه يزيد من احتمالية الولادة القيصرية ونزيف ما بعد الولادة إضافة إلى ولادة طفل بحجم كبير نسبياً، لذلك يجب المتابعة الدورية في الحمل ومعالجة السكري إن وجد.

  • السكر الثانوي

هو الذي يحدث نتيجة أمراض أخرى مثل التليف الكيسي والتهاب البنكرياس المزمن، أو نتيجة تغيرات هرمونية مثل متلازمة كوشينج.

  • داء السكري الكامن ذاتيّ المناعة عند الكبارLADA:  هو عبارة عن شكل بطيء من النوع الأول، أي أنه لا يحدث في الأطفال، إنما في الكبار، وغالباً يبدأ بشكل أبطء من النوع الأول المصاحب للطفولة.
  • السكري البادي عند النضج MODY: هذا النوع يتضمن أشكال مختلفة من السكري بسبب خلل جيني في خلايا البنكرياس التي تصنع الإنسولين.

أعراض السكري

هذه أشهر أعراض السكري التي يلاحظها أغلب مرضى مرض السكري:

  • الشعور بالعطش الشديد أغلب الأوقات.
  • زيادة في إدرار البول بشكل ملحوظ.
  • التعب والإرهاق الشديد.
  • فقدان الوزن على الرغم من الشهية الزائدة.

أعراض مرض السكر هذه تظهر بشكل سريع عند المرضى من النوع الأول وبشكل تدريجي “أو ربما بدون هذه الأعراض” عند المرضى من النوع الثاني، ومن الجدير بالذكر أن المرضى من النوع الثاني ربما لا تظهر عليهم هذه الأعراض ويتم اكتشافهم إما عرضيّاً أو عن طريق المضاعفات.

ملاحظة: أعراض السكري تختفي سريعاً بمجرّد بدء العلاج “انظر إلى بند العلاج” وتعود مرة أخرى في حال عدم التزامك بالعلاج بشكل منتظم.

تشخيص مرض السكري

كأي مرض له أعراض يتم إثبات التشخيص بإجراء العديد من الفحوصات التي تؤكد التشخيص ومن فحوصات مرض السكري:

  • فحص الدم: هناك ٣ طرق لفحص الدم يتم من خلالها اثبات التشخيص:
    • الطريقة الأولى هي فحص عينة دم عشوائية أي أنه لا يتطلب الصيام وهنا يتم تشخيص المريض بالسكر إذا كانت نسبة الجلكوز في الدم أكثر من 200 ملغم/دسم.
    • الطريقة الثانية هي بعد صيام لمدة 8 ساعات ويتم تشخيص المرض إذا كانت نسبة السكر اكثر من 126 ملغم/دسم.
    • الطريقة الثالثة هي حساب مخزون السكر وتسستخدم للسكّري من النوع الثاني.
  • فحص البول: عن طريق شرائح أو أشرطة الغمس، حيث يُظهر الشريط ارتفاع نسبة الجلكوز في البول ومن الممكن أن يدل وجودها على وجود مرض السكري.

علاج مرض السكر

وصلنا إلى الخطوة المهمّة التي يبحث عنها كل مريض مصاب بالسكري أو كل من له أقارب مصابين بهذا المرض، حيث أن هناك نوعين أساسين من مرض السكّري فإن لكل نوع منهم طريقة علاجية خاصة به:

  • النوع الأول: للأسف دائماً يحتاج هذا النوع إلى العلاج بالأنسولين ومدى الحياة، كما ذكرنا أن البنكرياس قد توقف عن العمل فنحن بحاجة إلى بديل “الإنسولين”. يتم وخز إبر الإنسولين تحت الجلد، في أماكن مختلفة في الجسم “الفخد، البطن، الذراع” من مرتين إلى أربع مرات يومياً اعتماداً على نوع الإنسولين المستخدم والنظام الغذائي “راجع طبيبك لتحديد جرعات الإنسولين اللازمة”.
  • النوع الثاني: في هذا النوع، الخط العلاجي الأول هو:
    • اتباع نظام غذائي صحّي، وممارسة الرياضة بشكل منتظم، والحفاظ على وزن مثالي وتخفيف الوزن لمن هم أصحاب وزن زائد، إضافة إلى التوقف عن التدخين. إن العديد من الأشخاص يستجيبون لهذا العلاج دون الحاجة الى التدخل بالأدوية.
    • في حالة عدم الاستجابة ولازال مستوى السكر مرتفع، نلجأ إلى استخدام الأدوية التي تقوم بتنظيم مستوى السكر في الدم مثل metformin وغيرها من الأدوية، يمكن أيضاً الدمج بين هذه الأدوية في حال كانت الاستجابة بطيئة او معدومة.
    • في حالات عدم الاستجابة حتى لدمج الأدوية، نلجأ إلى العلاج بالإنسولين كخيار أخير.
  • سكر الحمل: يستخدم فيها فقط إبر الإنسولين، حيث أن الأدوية تتسبب في حدوث تشوهات خلقية للجنين، وعلاج السكر لا يقتصر فقط على التحكّم في نسبة السكر في الدم، بل يتضمن أيضاً تقليل نسبة حدوث المضاعفات “انظر لفقرة المضاعفات”.

مضاعفات مرض السكري

سنتحدث في هذا البند عن مضاعفات داء السكري ومضاعفات العلاج بحد ذاته، هناك مضاعفات على المدى القريب وأخرى على المدى البعيد:

  • مضاعفات على المدى القريب: ومنها العطش الشديد والجفاف والدوخة وهذه المضاعفات قد يكون لها تهديد على حياة المصاب، في الأشخاص المصابين بالنوع الأول ارتفاع مستوى السكر لمعدلات عالية قد يؤدي إلى ارتفاع حموضة الدم وإنتاج أجسام كيتونية تؤدي إلى الإغماء، يحدث بشكل مشابه في النوع الثاني لكن بدون إنتاج أجسام كيتونية. أيضا من المضاعفات هو سهولة الإصابة بالإلتهابات، وتأخر التئام الجروح والإكتئاب ومشاكل في الأكل.
  • مضاعفات على المدى البعيد: تحدث في حالة ارتفاع مستوى السكر لفترة طويلة:
    • تصلب الشرايين: وتترفع فيه نسبة الإصابة بالجلطات والذبحة الصدرية.
    • مشاكل في العين: حيث تضعف الرؤية نتيجة تلف الأوردة في الشبكية، وتتكون المياه البيضاء في العدسة، للتعرف أكثر اضغط هنا.
    • فشل كلوي.
    • تلف أعصاب وخصوصاً الأعصاب الطرفية، مما يؤدي إلى فقدان في الإحساس.
    • مشاكل القدم السكري وما يصاحبها من تقرحات وأحياناً نلجأ إلى البتر!
    • حدوث صعوبات وعجز جنسي.

ملاحظة: هذه المضاعفات تعتمد بشكل كبير على مدى التحكم بمستوى السكر في الدم، بمعنى أنه كلما زادت نسبة وصول السكر إلى المعدّل الطبيعي قلت نسبة حدوث هذه المضاعفات.

تكمن أهمية علاج داء السكري في قدرته على تقليل حدوث المضاعفات وتجنبها قدر الإمكان.

المضاعفات المتعلّقة بالعلاج

  • الأنسولين: أهم الآثار الجانبية للأنسولين هو انخفاض السكر في الدم أو ما يقال له عند عامية الناس “انحرق السكر” حيث يبدأ الشخص بالإرتعاش والتعرّق ويزداد معدّل نبضات القلب، ويحدث غباش في الرؤية، وصداع في الرأس وقد يحدث فقدان في الوعي، في هذه الحالة يجب التدخل سريعاً وإعطاء المريض 4 حبات جلكوز بمعدّل 15 غم من السكر إذا لم يتوفّر يمكن استبداله بنصف كوب من عصير الفواكه أو الصودا أو ملعقة صغيرة من السكر أو العسل، “بعيداً عن الشوكلاتة والحلاوة” لأن امتصاصهما يستغرق وقتاً طويلاً. خلال ١٥ دقيقة يجب فحص مستوى السكر مرة أخرى إذا لم يرتفع فوق الـ 70 ملغم/دسم نعيد الكرّة مرة أخرى.
  • الميتفورمين: من أهم مضاعفاته أنه يؤدي إلى اضطرابات في الجهاز الهضمي، وحموضة في الدم.

حسناً السؤال الذي يتبادر دائماً إلى أذهاننا كبشر نُحب دائماً توخّي الحذر؛

هل يمكن تجنب حدوث مرض السكري منذ البداية؟

  • النوع الأول: لا نستطيع تجنبه لأنه بسبب مشكلة مناعية لا يد للإنسان فيها ولحسن الحظ أن نسبته 10% فقط.
  • النوع الثاني: نستطيع منع حدوثه بممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي متكامل، والعمل على تخفيف الوزن والتوقف عن التدخين.

نصائح عامّة لمرضى السكري

  • النصيحة الأهم هي الالتزام بالرياضة والغذاء الصحي المتكامل.
  • التوقف عن التدخين وشرب الكحول.
  • الحفاظ على وزن جسم مثالي.
  • الإلتزام بالعلاج بشكل منتظم.
  • أخذ التطعيمات السنوية مثل تطعيم الإنفلونزا كل خريف.
  • إرتداء الأحذية الطبية الواسعة نسبياً والتي تحتوي على فتحات للتهوية وتنشيف القدم جيداً قبل ارتداءه.
  • الفحص الدوري لمستوى السكر، مخزون السكر، نسبة الدهون، ضغط الدم، وظائف الكلى، فحص القدم، فحص قعر العين

أعلم أنا أتحدث هنا عن القناع الجميل الذي يتخفّى خلفه وحش، أجل اسمه سكريّ لكن لا يمتّ للسكر بصلة! هو عبارة عن كابوس يلازم صاحبه منذ اكتشافه إلى النهاية، لحظة هل قلت إلى النهاية؟ لا ليست النهاية النهاية لمن أراد ذلك فقط، أعرف أشخاصاً جعلوا من الوحش صديق، تصالح مع الذات ومع المرض، القيام بواحبات المرض كأي ضيف حلّ عليك فجأة وقرر أن يستقر، في النهاية السكري هو ضيف دائم، أكرِمه، اعتني به، سيصبح صديقك اللدود يوماً، لا تسمح لأي ظرف بأن يدّمر العلاقة لأن حياتك ستصبح على المِحكّ.

المصادر

السابق
تأثير الحمل على جسم المرأة
التالي
خزعة الكبد: أنواع خزعة الكبد، وطرق اجرائها ومخاطرها

تعليقان

أضف تعليقا

  1. Ameera Hassan قال:

    أسلوب رائع في إيصال المعلومة
    أقل ما يقال عن هذا المقال انه دقيق وشامل وجميل الأسلوب

  2. سامر أبو طه قال:

    موضوع مفيد ووافي يشرح كيفية علاج مرض السكري
    لقد أفادني بالكثير من المعلومات
    شكراً للقائمين على هذا الموقع 🙂

اترك تعليقاً