الأدوية والعقاقير

ادمان الافيون آفة خطيرة ومغامرة متهورة فاشلة لا تستحق خوضها!

ادمان الافيون

“كنت أحلم بالابتعاد عنه، وأعقد العزم كل يوم للامتناع عن تناوله، كشخص يرى كوابيس كل ليلة، ويتمنى لو تزول عنه؛ لينام براحة وهدوء، ولكن دائماً ما تجابه رغبتي التواقة عزيمتي المعقودة، حتى استيقظت في يومٍ ما وأنا مستلقٍ على سرير المستشفى، ولم أستذكر مما حدث لي إلا دوارًا خفيفًا ثم حدثت الفاجعة! فقد غبت عن الوعي بشكلٍ كامل بسبب تناول جرعة زائدة من تلك المادة الشريرة المخدرة. لا تتعجبوا! فقد كنت مصاباً بداء خطير ينهش جسدي ويُذهِب عقلي ويخطف قلبي ويجعلني أنتحلُ شخصية غير شخصيتي، لقد أُصبت بمرض ادمان الافيون!”

تلك كلمات بمشاعر مبعثرة سُمعت من شخص كان مدمنًا على تناول المواد الأفيونية؛ ولكن قبل أن نتعمق في الحديث عن مفهوم ادمان الافيون، نجيب عن سؤال “ما هي المواد الأفيونية؟!”
تُعدُّ المواد الأفيونية نوعًا من الأدوية التي تؤثر بشكلٍ مباشر على الجهاز العصبي، إذ تُولِّد شعورًا بالارتياح والسعادة وتسكين الألم، وتُستخلص من نبات الخشخاش أو تُصنّع في المختبرات، وقد تُعطى بوصفةٍ طبية، مثل: الميثادون والهيدروكودون والمورفين، أما البعض الآخر فهي غير قانونية كالهيروين.
يُفسَّر ادمان الافيون على أنه حالةٌ تؤدي إلى فقدان السيطرة وعدم القدرة على الانقطاع عن تناول المواد الأفيونية، وتظهر أعراض الانسحاب على المصاب حال الامتناع عنها، وكغيره من الأمراض، له أعراض وأسباب وأضرار وطرق للعلاج والوقاية كما يلي تفصيلهم.

أسباب ادمان الافيون

يصعب تحديد أسباب الإدمان على المواد الأفيونية؛ لأنها عملية معقدة ومتراكبة، وتساهم في حدوثها عدة عوامل جينية وبيئية واجتماعية، كما يلي:

العامل الجيني

يُعزى إلى العديد من الجينات دورٌ مهم في عملية الإصابة بإدمان الافيون، وذلك من خلال إنتاج الأفيونات الباطنية (ذاتية المنشأ) ومستقبلاتها كجزء من نظام داخلي في الجسم لتسكين الآلام، ولذلك عند تناول المواد الأفيونية الخارجية (الأدوية المشروعة والهيروين)، فإنها تؤثر على الجهاز العصبي بشكل مباشر بارتباطها بالمستقبلات، ويعتقد الباحثون أن اختلاف آلية استجابة الجسم للأفيونات يحدث وفقًا لاختلاف تركيب المستقبلات.

العوامل البيئية والاجتماعية

تمثل العوامل البيئية والاجتماعية جزءًا أساسيًا من مراحل الإصابة بمرض الإدمان على المواد الأفيونية، ويمكن أن تكون كما يلي:
  • لديه تاريخ مرضي سابق بالإدمان.
  • مصاب بأمراض نفسية وأشهرها الاكتئاب.
  • تجاهل العائلة للشخص منذ صغره، إذ يؤثر بشكل كبير على نفسية وتفكير الطفل، وتجعله صيدًا سهلًا لأصدقاء السوء، بالالتفاف حوله وتعليمه الممارسات الخاطئة التي تبدأ عادةً بالتدخين.
  • العيش في الظروف الاقتصادية الصعبة.
  • سهولة الوصول للأفيونات بنوعيها (الشرعية وغير الشرعية).
حتى يومنا هذا، لا يوجد سببٌ محدد وواضح لكيفية الإصابة بإدمان الافيون، ولكن يمكن القول أنه مزيج من عوامل صحية واجتماعية وحياتية بالتفاعل مع العامل الجيني كما سبق ذكره.

أعراض الإدمان على الأفيون وأضراره

تتشابه أعراض إدمان الافيون مع أضراره، إذ أن كلاهما مرتبط بتغيرات في السلوكيات اليومية بشكل أساسي، ومن هذه الأعراض والأضرار:
  1. عدم القدرة على التحكم في جرعة الأفيونات المتناولة.
  2. مشاعر متضاربة ومتناقضة.
  3. الشعور بالنعاس وتقلب مواعيد النوم.
  4. خسارة الوزن بشكل ملحوظ.
  5. تظهر أعراض مشابهة لأعراض الانفلونزا بشكل متكرر.
  6. انخفاض الشهوة الجنسية.
  7. تقلب وتغير في العادات الصحية المتبعة، مثل: التمارين الرياضية.
  8. الانفصال والانطواء عن باقي أفراد الأسرة.

ولكن ماذا لو تناول الشخص السليم فجأةً جرعة زائدة من الأفيونات، هل ستكون الأعراض مختلفة؟

ستظهر الأعراض مختلفة بالطبع على النحو التالي:
  • شحوب الوجه وهزل الجسم بشكل عام.
  • تلون الشفتين أو أطراف الأصابع بلون أزرق أو بنفسجي.
  • تقيؤ الشخص.
  • عدم القدرة على الكلام.
  • تباطؤ أو توقف لحظي في نبض القلب والتنفس.

علاج المدمن على الأفيونات مستحيل!

يظن الكثير من الناس أن علاج ادمان الافيون لا يحدث بشكلٍ كامل؛ لأن العديد من المرضى الذين عولجوا سابقًا انتكسوا في أحد مراحل علاجهم وعادوا لما كانوا عليه؛ ولكن إذا تم اتباع خطوات علاج الإدمان على الأفيونات -والتي سنذكرها في هذا المقال- بالطريقة الصحيحة فسنصل بالتأكيد للامتناع عن تناول الأفيونات دون عودة.
أثبت العلاج بالأدوية المُسند بالدعم الاجتماعي والمعنوي فعاليته في علاج الإدمان على الأفيون، وتتمحور أهداف هذا العلاج في تخفيض نسبة الإدمان على الأفيونات، والتقليل من معدل الوفيات والإصابات الناتجة من الإدمان عليها، أو الناتجة من الأمراض التي تصيب المريض المدمن بسبب تناوله إياها، وتحسين صحة الجسم البدنية والوظيفية، والتخطيط الجاد لعودة المريض إلى حياته الأسرية والتعليمية أو المهنية بشكلٍ تدريجي وطبيعي، دون ممارسة أي ضغوط شديدة على المريض؛ لمنع حدوث انتكاسة!
يتخوف الكثيرون من حدوث انتكاسات أثناء علاج المرضى المصابين بإدمان الافيون، إذ تأتي الانتكاسة بعد مرحلة نزع السموم (الأفيونات) من الجسم، ولكن اتباع خطوات العلاج المتمثلة بــ:
  1. مرحلة نزع السموم من الجسم، وتتمثل بتطهير الجسم من مخلفات المواد الأفيونية باستخدام بعض الأدوية، إضافةً إلى بعض التقنيات، مثل: العلاج بالاستخلاب (استخدام عوامل استخلاب لإزالة السموم من الجسم).
  2. العلاج البديل، إذ يُعطى الشخص المدمن مادة بديلة للأفيونات بتركيز مخدر أقل، ويساهم العلاج البديل في الامتناع عن تناول المواد الأفيونية بشكل تدريجي، والحد من ظهور الأعراض الانسحابية للأفيون قدر الإمكان.
  3. العلاج الامتناعي الموجه، وتعد هذه المرحلة الأخيرة في علاج ادمان الافيون، إذ تمنع المريض المدمن من تناول الأفيونات بشكل تام، وفي حال تجاوز المريض الثلاث مراحل بنجاح، عندئذ يمكن التأكد بشكل كبير من نجاح وفعالية علاج الإدمان على الأفيونات.

هل يمكن الوقاية من الإصابة بإدمان الافيون؟ وكيف؟

في الحقيقة، يوجد عدة وسائل ونصائح موجهة من الباحثين بناءً على دراسات وتجارب سابقة، ويهدف اتباعها إلى الوقاية ومنع الإصابة بالإدمان على الأفيونات قدر المستطاع، وتتعدد الوسائل كالآتي:
  • لا تتناول أي دواء من الأدوية الأفيونية إلا بوصف الطبيب، ولا تتجاوز الجرعة المحددة بأي حال من الأحوال.
  • لا يجب تناول هذه الأدوية مع الأقراص المنومة أو المواد المحظورة كالهيروين أو شرب الكحول.
  • كن على دراية كاملة بأعراض تناول جرعة زائدة من الأفيونات، وكيفية استخدام النالوكسون -ترياق يستخدم لتخفيف أضرار تناول جرعة زائدة من الأفيونات، ويؤخذ إما حقنة عضلية أو وريدية أو عبر بخاخ الأنف- للمحافظة على حياة الشخص قدر الإمكان وحمايته من الإصابة بالإدمان على الأفيون.
  • ينبغي عليك طلب المساعدة الطبية العاجلة، والاتصال على قسم الطوارئ عند مشاهدتك شخصًا تظهر عليه أعراض تناول جرعة زائدة من المواد الأفيونية.
يروي الدكتور جواد فطاير في كتابه الإدمان وعلاجه “إن العقل المُدمن والعقل الطبيعي لا يمكن أن يعملا بتناغم أبداً داخل عقل الإنسان، أحدهما يجب أن يسود ويستولي على الآخر، مهما حاولت”، فالرحلة نحو عودة المدمن إلى عقله الطبيعي يمكن أن تكون رحلة صعبة، وتتطلب عزيمة جندي يدافع عن وطنه الأم، وإرادة طفل مصاب بشلل في قدميه يتدرب يوميًا للعودة لممارسة هوايته المفضلة بلعب كرة القدم، ولكن نتائجها جميلة وتستحق التعب من أجل وصولها والإقلاع عن ادمان الافيون.
كن قويًا عنيدًا في مواجهة الإدمان، وثق تمامًا أنك الطرف الأقوى وصاحب العزيمة الأكبر، ولا تسمح لتلك المواد الأفيونية الشريرة بأن تتلاعب بحياتك وحياة أسرتك؛ لأنك خلقت حرًا وقويًا، وأنت قادر على تجاوز تلك الأزمات بكل قوةٍ ونجاح وفخر.

المراجع والمصادر

  • MedlinePlus (2020) Opioid addiction, Available at: https://medlineplus.gov/genetics/condition/opioid-addiction/#references (Accessed: 6th September 2020).
  • World Health Organization (2009) Guidelines for the psychosocially assisted pharmacological treatment of opioid dependence, Available at: https://www.who.int/publications/i/item/9789241547543 (Accessed: 6th September 2020).
  • Substance Abuse and Mental Health Services Administration (SAMHSA) (2013) Opioid Overdose Prevention TOOLKIT, U.S. Department of Health and Human Services (HHS): SAMHSA.
  • Hill, P.M., Strain, E.C. (2020) Signs of Opioid Abuse, Available at: https://www.hopkinsmedicine.org/opioids/signs-of-opioid-abuse.html (Accessed: 6th September 2020).
السابق
أضرار السهر وأسبابه وطرق التخلص منه
التالي
الطفل في الشهر الرابع: تطور ونمو الطفل في الشهر الرابع

اترك تعليقاً